عند اقترابه من البيت بدا العمال مشغولين بتثبيت القوائم الخشبية ـ أمام الفيلا ـ فى مساحة عرض الشارع . أدرك أنهم يعدون سرادقاً لحفل زفاف جان .
ترك لخياله ـ حتى المساء ـ تصور الحضور : أقارب الأسرة ، الجيران ، الزملاء القدامى للمسيو ميكيل .
تدلت أسلاك اللمبات على أشجار الحديقة ، مئات اللمبات الملونة الصغيرة ، أحاطت بأشجار الحديقة ، وتخللتها . فتحت نوافذ البيت المقابل على آخرها ، أطل منها رجال ونساء . وتزاحم الأطفال حول الحديقة يحاولون رؤية ما وراء الأشجار ، ما تخفيه الأغصان والأوراق . حتى سكان البيوت البعيدة ، أطلوا من النوافذ والشرفات ، ومن فوق الأسطح .
اعتادت سيلفى زيارة أسرة الطابق الأرضى فى البيت المواجه ، تأنس إلى شخصية الزوج الخطاط ، الهادئة ، وإلى تعامله معها كابنة لا يضيق بتوالى أسئلتها وملاحظاتها ، وإلى الفوضى فى حجرة مكتبه : الدولاب الصغير ، المفتوح الضلفتين ، اختلطت فيه رصات الملابس والكتب ، حوض السمك الملون ، وأقفاص العصافير ، وزهور البلاستيك ، والأقلام المتباينة الأطوال ، والكتب ، والمجلات ، والورق المقوى ، والأحبار ، وأقلام الفحم والبسط ، والشموع ، والتماثيل الصغيرة ، والدمى البلاستيك ، وبقايا الطعام ، والأكواب الفارغة ، والزجاجات المختلفة الأحجام والألوان ، والمعلبات ، والجدران المغطاة بلوحات ملونة ، وعود لم تره يأخذه من موضعه ، وصور شخصيات لا تعرفها .
تبدى إعجابها بلوحاته ، المستمدة من الحروف العربية ، واللوحات المقلدة .
تضحك لفشلها فى تعدد محاولات تقليده .
عرفت أنه كان ـ إلى جانب كتابة الخطوط ورسم اللوحات ـ يجيد تزوير الأوراق الرسمية والمستندات والبطاقات الشخصية وجوازات السفر . حتى العملات يتقن تزويرها . وكانت هى السبب ـ كما قال ـ فى أن يقضى أعواماً داخل السجن .
حدثها عن مرافقته لأخته ، المغنية الطفلة ، إلى حفلاتها فى القاهرة وخارجها ، وعن مرافقته لأخته الممثلة ، الطفلة كذلك ، إلى الإذاعة ، تغنى لشقيقها القمر فى برامج بابا شارو . حين كبرتا ، خلا إلى خطوطه ولوحاته التى يحبها .
ظل أخوتها على حرص الأبوين فى تجنب الاختلاط . يكتفون ـ إذا التقت الأعين ـ بإيماءة التحية ، أو هزة الرأس . يواصلون السير ، كل فى طريقه .
طالعه ما لم يتوقعه . عرف من سيلفى أن الحضور أصدقاء لجان وأهل العروس . شارك النسوة فى النوافذ بزغاريد ، ظهر فى ملامح جان المستغربة أنه فوجئ بها . رافقت الزغاريد موسيقا وأغنيات ورقصات .
أدهشه أنه وجد ما يدعو إلى الدهشة .
تصور أن زفاف الكاثوليك له مظاهره التى لا يعرفها . استمع إلى أغنيات العوالم ، وصفق على إيقاع أداء الراقصة ، وجارى الحضور فى دفع النقوط .
غنى العوالم يا امه القمر ع الباب ، وقولوا لمأذون البلد ، وأهواك . آخر الليل ، استبدلت الراقصة ببدلتها غلالة حريرية ، تكشف عن جسدها .
نسى تصوره بأن الفرقة تؤدى أغنيات لا يرددها المسيو ميكيل ، تلك الألحان التى يحب سماعها ، وإن لم يفهم معانيها .
أخذ على جان فكرة السفر إلى الخارج . لكى تعمل فلابد أن تمتلك مهنة . شهادة التجارة المتوسطة لن تتيح لك أى شئ . مجرد أن تغسل الأطباق ، وتقطع الخضروات فى المطاعم ، أو تعمل فى بناء العمارات أو غسل السيارات . وقد يسعدك الحظ بالعمل فى مزارع تقطير الكروم إن سافرت إلى جنوب فرنسا ..
ولوح بإصبعه محذراً :
ـ أفضل الواقع الذى أعرفه بدلاً من المجهول الذى لا أعرفه !
وهو يرفع كتفيه :
ـ لا أسافر إلى المجهول .. أهاجر إلى استراليا ..
ثم وهو يغالب التأثر :
ـ لفيكتوريا أخوة يعيشون هناك . أسافر على كفالتهم !
وتخلل شعره بأصابعه :
ـ قد أغسل الصحون كما يفعل الشبان المصريون ، وقد تفيدنى الإنجليزية وأسرة زوجتى فى عمل أفضل .
قال :
ـ تعرفت إليها فى الأوتوبيس . وجدت فيها ما يقنعنى بالزواج .
لم يتحدث عن ظروف لقاءاتهما التالية ، كيف تصارحا بالأسرة والديانة والظروف الشخصية [ وشى اسمها ـ فيكتوريا ـ بديانتها ] ومن طرح على صاحبه فكرة الهجرة إلى استراليا ؟ وما موقف الأب ـ ساعاتى فى شارع عثمان بن عفان ـ من الأمر برمته ؟ هل وافق ، أو أبدى تحفظاً ، أو أنهما أزمعا التصرف دون أن يضعا حساباً للرفض ؟ . ما عدا ذلك فقد غابت الملامح عن بقية التفاصيل .
عقدا قرانهما فى كنيسة اللاتين . أنهيا العقد ساعة العصر ، وأعدا حقائبهما ليسافرا بعد حفل الزفاف .
قال جان لأنطوان ، قبل أن يلحق بعروسه فى سيارة التاكسى ، الواقفة أمام الفيلا :
ـ أترك لك كل شيء ، لكن لا تظلم دومينيك وسيلفى