الفصل الثالث — "اللقاء الأول"

32 2 00

من وجهة نظر كريم

— هل لي بالدخول؟

جاء صوتها ناعمًا، مترددًا قليلاً.

— تفضّلي.

دخلت فتاة ترتدي تنورة سوداء وقميصًا أبيض بسيطًا. مظهرها أنيق دون تكلف، وكأنها تقول: أنا أحترم نفسي قبل أن أطلب احترامكم.

كانت تمسك بملف أبيض، على الأرجح سيرتها الذاتية. بدت متوترة، تعبث بأصابعها بقلق.

أرجو أن تكون ذكية، فالجمال وحده لا يشفع في هذا المكتب.

— صباح الخير، أستاذ كريم. اسمي لمى منصور.

قالتها بثقة رغم قلقها، وأعجبتني تلك التوازنات المتضادة فيها.

— لمى، هل لي بسيرتك الذاتية؟

ناولتني الملف، وبدأت بتصفّحه.

شهادة متميزة في إدارة الأعمال من جامعة مرموقة في بيروت.

لكن لا توجد أي خبرة عملية. غريب!

— درجتك العلمية ممتازة، لمى. لكنك في الخامسة والعشرين، وليس لديك أي خبرة عمل؟

خفضت نظرها قليلاً:

— صحيح أستاذ... هناك سبب شخصي لذلك، وأعتذر عن أي تقصير.

ترى، ما هذا السبب؟

أغلقت الملف ووضعته على المكتب:

— حسنًا... مع انعدام الخبرة، لماذا يجب أن أختارك أنتِ؟

رفعت رأسها، ونظرت إليّ بثبات لم أكن أتوقعه منها.

— لأنني أعلم أنني سأضع كل جهدي في هذه الوظيفة. هذه ستكون بدايتي، ولن أسمح لنفسي أن أخفق. أحتاج إلى هذه الفرصة، وسأثبت لك أني أستحقها.

يا إلهي... كم أحببت هذا الحماس في عينيها!

— واثقة جدًا يا آنسة منصور. تعتقدين أنني سأوظفك؟

ابتسمت، وهزّت رأسها بالإيجاب.

— حسنًا... أعجبتني ثقتك، وصدقك. أريدك أن تعملي معي كمساعدتي الشخصية. الوظيفة لك.

شهقت بفرح:

— شكرًا لك... شكرًا جزيلًا أستاذ كريم!

— لكن لا تتوقّعي أن العمل معي سيكون سهلًا.

— هذا ممتاز... فأنا أكره الطرق السهلة.

ردّها؟ لاذع، ساخر، وقوي... إنها مختلفة تمامًا.

— غدًا، الساعة 8:30 صباحًا... مع قهوتي. لا أحب التأخير.

— تم تسجيل الملاحظة، أستاذ.

غادرت المكتب بعد أن منحتني ابتسامة قصيرة... ثم أغلقت الباب بهدوء.

إنها مميزة... مختلفة. لم تحاول التودّد لي، لم تبالغ في مظهرها... كل شيء كان متوازنًا.

رفعت سماعة الهاتف:

— نتاشا، المقابلات انتهت. أبلغي الجميع بالمغادرة.

...................................................

من وجهة نظر لمى

هل... هل حصلت فعلًا على الوظيفة؟

لا أصدق! حصلت على الوظيفة! عليّ أن أخبر سامي حالًا!

اتصلت به فورًا، وصوته جاء ناعسًا:

— صباح الخير لمى!

— سامي!!! مش حتصدق شو صار!

— قابلت جيجي حديد؟

— لاااااا! توظفت! صرت المساعدة الشخصية للمدير التنفيذي بشركة ويلسون!

— شو؟! عن جد؟ ألف مبروك يا مجنونة! متى بتباشري؟

— من بكرا. قلتها وأنا أحاول إخفاء توتري.

— بس وين رح تسكني؟ الفندق حجزك ليوم واحد فقط.

— لسه ما لقيت مكان. حابة أرجع لعمان نهاية الأسبوع أجيب أغراضي، بس المشكلة وين أقيم بهالفترة.

— استني... بتتذكري كارتر؟ صاحبي من أيام الجامعة؟

— أكيد! كان عندي كراش بسيط عليه.

— هو ساكن في دبي حاليًا. ممكن تستضيفيه عنده لبين ما تلاقي شقة.

— بس... انقطعت علاقتكم من سنين.

— ولا يهمك. بحكي معاه وبرجعلك.

— تمام، شكراً سامي.

....................

دخلت شقة كارتر، كانت تتكوّن من غرفتين، مرتّبة وهادئة.

— شكرًا كارتر. عن جد مقدّرة كتير.

بدا مختلفًا تمامًا عمّا كان عليه، جسده صار رياضيًا، ولديه لحية خفيفة، وقد تذكرت كم كان يكره أنه لا ينبت له شعر وجهه أيام المراهقة.

— أنت صديقة سامي، وصديقتي أيضًا. شرفتِ المكان.

— بالمناسبة... سامي قال إنك مرتبط. وينها حبيبتك؟

— جايّة من الشغل... لحظة، أعتقد أنها وصلت.

فتح الباب، ودخلت فتاة أعرفها تمامًا...

— نتاشا؟!

— أوه! أنتي؟ قالتها وهي تضحك وتقترب مني.

— يا لهذا العالم الصغير!

— كنتي بالمقابلة اليوم، صح؟ وقد حصلتِ على الوظيفة!

— وأنتِ... حبيبة كارتر؟!

— نعم، وتشاركيننا السكن مؤقتًا! رائع، صار عندي صديقة بالبيت!

عانقتني بحرارة، وأحسست بصدقها.

— شكرًا نتاشا وكارتر... بس كام أسبوع وبكون لاقيت شقة.

— على راحتك! قالاها معًا، وأنا ابتسمت بامتنان.